الجمعة، 1 نوفمبر 2013

النهضة تُفكّك مؤامرة إجهاض الثورة وإفشال المسار الانتقالي


الاسلام السياسي حاضنة التوافق والمشروع الديمقراطي  


في سلوك غريب تواصل لوبيات الفساد السياسي والإعلامي التحريض على الاسلاميّين وأساسا حركة النهضة في إطار مؤامرة بدت تتوضّح خيوطها في اتجاه مسعى لتوريطها أمام الرأي العام المحلي والدولي كمدخل لإعداد أرضيّة تتجاوز حيثيات الظرفيّة السياسيّة الراهنة في البلاد والمتصفة بحالة من التأزّم وانعدام الثقة بين الاطراف السياسيّة منذ اغتيال الفقيد الحاج محمّد براهمي إلى مرحلة أخرى أشدّ وطأة وأشدّ شراسة وأذهب الى إقصاء الاسلاميّين وإعادة سيناريوهات الاستئصال التي لاحقتهم طيلة ازيد من أربعة عقود.

وبرغم تطوّر الحالة السياسيّة نحونوع من الانفراج بعد إمضاء جل الفاعلين السياسيين على مبادرة الرباعيّة فإنّ احزاب سياسيّة ولوبيات فساد مالي وإعلامي عملت على اغتنام الأفق الذي فتحهُ مسار الحوار الوطني للضغط في اتجاه مزيد تطويق خصمها الاسلامي على الساحة واستهدافه بشكل فيه الكثير من المغالطات واللؤم وخيانة دماء شهداء الثورة ونضالات اجيال متعاقبة ضدّ الاستبداد والدكتاتوريّة والقمع وفي سبيل إقامة الدولة الديمقراطيّة.

عقبات ومسارات

تتحرّك اليوم وبشكل يكاد يكون علنيا خيوط مؤامرة كبرى تبحثُ عن وضع العقبات أمام تواصل انخراط الاسلام السياسي في مجهود التأسيس للدولة الديمقراطيّة على اعتباره أحد روافد تكريس التعايش المشترك بين مختلف العائلات الفكريّة والسياسيّة، ومن الغريب أن ينخرط جزء هام من النخبة التونسيّة في سياق مخطط إقليمي ودولي يرمي إلى القضاء على الربيع العربي وإفشال مسارات الانتقال الديمقراطي في أكثر من قطر عربي وإعادة أنظمة القمع والاستبداد مثلما هو الشأن اليوم في مصر عندما قام انقلاب العسكر بفسخ خطوات عملاقة قطعها المصريّون تأسيسا لتجربتهم الديمقراطيّة والتعدديّة.
إنّ النخبة السياسيّة العربية ومنها التونسيّة اختارت التعاطي الايديولوجي وكرّست في تعاملها مع تحولات المشهد السياسي في دول الربيع العربي عملية اعادة استنساخ الإقصاء والقطيعة وإنتاج أنظمة قمعيّة جديدة بات من الواضح أنّ هدفها الاستراتيجي هو القضاء على الطرح الاسلامي ومحاصرته من جديد مثلما تمّ ذلك على مدار اكثر من خمسة عقود اي منذ قيام الدولة العربية المستقلة.
في الوقت الذي يخوض فيه اصحاب المشروع الاسلامي نضالا مستميتا للدفاع، لا عن حظوظهم في الوجود في السلطة والحكم، وان كان ذلك مشروعا، بل عن وضع لبنات صلبة للتأسيس الديمقراطي والتعايش المدني، في ذلك الوقت تنهار النخبة العلمانيّة واليساريّة في مخططات العمالة للخارج والاستعمار الجديد ومنع الدول العربيّة من تحقيق انتقالهم الديمقراطي وانجاح ثوراتهم التي أطاحت بأعتى الأنظمة القمعيّة والبوليسيّة مستفيدة في ذلك من طبيعة المراحل الانتقالية المتصفة بالهشاشة والتداخل وكثرة المنعرجات وبضعف الدولة.
إنّ ما تقوم به فئة واسعة من النخبة التونسيّة اليوم تشويها ومساسا بأحقيّة الاسلاميّين في التواجد ضمن مشهد سياسي ديمقراطي يجري في سياق مخطط إقليمي ودولي يُهدّد الطرح الاسلامي والتأسيس الديمقراطي، والى حين أن يستحكم الاستبداد والقمع من جديد في الشقيقة مصر والى حين أن تستفيق كامل النخبة المصريّة من نخوة إسقاط حكم الاخوان في مصر والقبول بأن يتمّ ذلك على أيدي العسكر، إلى ذلك الحين فإنّ معطيات الواقع المصري بعد حوالي أربعة أشهر من الانقلاب على التجربة الديمقراطيّة تؤكّد أنّ الثورة متواصلة وأنّ الحلم الديمقراطي لم يسقط نهائيا ولن تتمكّن قوى الردّة والثورة المضادة ودعاة العسكر والاستبداد من الإجهاز على نضاليّة تاريخيّة وفارقة تقودها قيادات وشباب مصري ، من الاخوان ومن الشرفاء ، مؤمن بالديمقراطيّة والحق في التعايش المشترك.

نخبة وأسئلة محيّرة

والسؤال المحيّر الا تتعظ النخبة التونسية ممّا جرى ويجري في مصر؟ أتعتقدُ هذه النخبة أنّ الانقلاب في مصر سيقضي نهائيا والى الأبد على ظاهرة الاسلام السياسي التي نالت تتويجا باهرا في أوّل محطة انتخابيّة ومنافسة تدخلها في أجواء الحريّة والديمقراطيّة؟.
أ الى هذه الدرجة لا تفقهُ نخبتنا أنّ مشاريع الاستئصال وإقصاء الطرح الاسلامي واستعباده مستحيلة والصعبة؟
والغريب، كيف تُواجه النخبة اليسارية والعلمانيّة المتطرّفة خصومها الاسلاميّين عبر نفس الأدوات والأساليب القديمة التي استخدمتها أنظمة الاستبداد لأكثر من خمسين سنة ؟
المتمعّن اليوم في إنتاجات الجزء الأكبر من معارضي حركة النهضة في تونس أنّها تُشابه ان لم تكن إعادة استنساخ تجربة نظام بن علي الذي قام على استبعاد الاسلاميّين عبر:
- محاولة إلصاق تهمة الارهاب بالحركة والتقدّم في ذلك بمراحل مدروسة لاستهداف أبرز المناضلين والقيادات الوسطى والرأس التنفيذي والمحوري للحركة وصولا الى التهجّم على الرموز من المؤسسين.   
- محاولة ضرب وحدة الحركة وإدخال الفتنة داخل هياكلها وبين مناضليها .
- التشكيك المتواصل في مواقف الاسلاميّين وخياراتهم ونعتهم بازدواجيّة الخطاب والسعي للهيمنة والاستبداد والاستحواذ على مفاصل الدولة.
وتنفذ هذه الخطة وسائل إعلام نوفمبريّة وآلة أمنيّة فاسدة من بقايا الجهاز الأمني البوليسي والقمعي الذي خدم النظام السابق في محنة التسعينات.
  لذا لم يكن غريبا ان تكون الصورة في وقت ما من الازمة السياسية هي نفسها تلك التي كانت تسعينيات القرن الماضي عندما كانت حركة النهضة في مواجهة عزلة ومحنة قاسية لم يشاركها فيها غير قلّة قليلة من الشرفاء والديمقراطيين.

مؤامرات وواقعية سياسيّة

منذ الثورة أقامت القوى الرافضة للطرح الاسلامي مؤامرتها للإطاحة بحركة النهضة وعملت على تشويهها بمختلف الطرق والوسائل ومنها القذرة القائمة على الإشاعات والأدوات المخابراتيّة والأمنية ، وعملت تلك القوى الى تحويل صعود الحركة الى السلطة الى مطب لتنفيذ محرقة جديدة للإسلاميين فافتعلت الأزمات والإضرابات والاحتجاجات وعطّلت الاقتصاد وغذّت منابع الارهاب والتطرّف ونشّطت نخاسة الاعلام النوفمبري الملطّخ بالأكاذيب والإشاعات والتهم المفبركة وعمليات الاستدراج المختلفة.
لكن لئن أعاد خصوم الاسلاميّين استنساخ نفس تجاربهم السابقة للمواجهة والتصدي ومحاولات التوريط فإنّ الاسلاميّين باتوا على مشارف تحقيق انتصار تاريخي فارق على مشاريع الاستئصال والأحقاد الايديولوجيّة عبر تجاوز محرقة السلطة بأخفّ الأضرار والسير قدما في خطوة شجاعة دفاعا عن المسار الديمقراطي والتأسيس لتونس الجديدة بدستور جديد وهيئات جديدة منتخبة وشرعيّة ونظام سياسي تعددي ومؤسسات حكم دائمة ومستقرة نابعة من الإرادة الشعبيّة ولا تأتي من خارج سياق صناديق الاقتراع.     
لقد أمكن للعقل الاسلامي أن يسير بعيدا عن الألغام التي زُرعت في طريقه منذ قيام الثورة وظلّ ثابتا على الخيار المدني السلمي مثلما كان ذلك منهجهُ منذ تأسيس حركة الاتجاه الاسلامي أوائل ثمانينيات القرن الماضي حينما اختار العمل السياسي المدني مُقدّما رؤية متكاملة تصون الأبعاد الحضاريّة في الطرح الاسلامي بعيدا عن كلّ أشكال التطرّف والغلو والانغلاق والمنادية بالتعايش والتوافق وحماية حقوق الانسان في الاختيار والتعبير والمعتقد ورفض أساليب الهيمنة والاستبداد.
اليوم ، ومع تقدّم الحوار الوطني واقتراب انتهاء الازمة السياسيّة وتشكيل الحكومة الجديدة وإتمام الاعمال التأسيسية الممهدة لإنجاح المسار الديمقراطي وسدّ الأبواب أمام كل محاولات الانقلاب او اعادة القمع والاستبداد، ينطلق المشروع الاسلامي بأفق جديد عنوانه الرئيسي أنّه الأكثر اهليّة وأحقيّة بأن يكون الحاضنة لمشروع الدولة المدنيّة الحديثة والديمقراطيّة.
لقد نجح الاسلاميّون في وضع استراتيجيات عمل على غاية من الإحكام في تفكيك واقع مفخّخ مليء بالألغام والمطبات والمؤامرات، وكانت الواقعيّة السياسية التي اعتمدتها القيادة أحد أهم آليات فهم تطورات الأوضاع محلياً وإقليميا ودوليا ومن ثمّ تجنّب الوقوع في ردات الفعل الغير مدروسة او العنيفة والمتشنجة وكان تغليب البعد الوطني على كل ما هو حزبي ضيق الخيار الأصوب للرد على كلّ محاولات الحصار او فرض العزلة من حولها والتي هدفت اليها القوى اليسارية والعلمانيّة الاستئصاليّة.
وبدلا من انطلاق مخططات تخريب الثورة وفك الارتباط بمسار الانتقال الديمقراطي ، على شاكلة ما حدث في مصر ، تجدُ بلادنا اليوم نفسها في مسلك آخر للبناء الإيجابي وصيانة الوحدة الوطنيّة وإبعاد شبح الاحتراب الأهلي والاقتتال والفتنة وفتح أفق جديد أمام استكمال تجربة تونسية فريدة في إسقاط الدكتاتوريّة والقمع وبناء دولة ديمقراطيّة.
لقد منحت مؤامرات الخصوم، على شدّتها وتعنّتها وارتباطها بسياقات إقليمية ودولية خطيرة ومتشابكة ، حركة النهضة والطرح الاسلامي أفقا جديدا لمزيد النشاط واستنهاض الطاقات الكامنة فيه والاستفادة السريعة من أخطاء تجربة أولى في الحكم لم تكن تخضعُ لنواميس الفعل السياسي العادي على اعتبارها تجربة في ظرف انتقالي تميّز بالفوضى والتداخل وغياب الوضوح في قواعد التنافس الحزبي والسياسي.
فكّك انتصار حركة النهضة للوفاق وحرصها وجديتها في انجاح مسار الحوار الوطني مطبات السقوط في المحظور وأفشل ذلك مخططات الانقلاب والثورة المضادة وكشف للعيان أفاعي الردّة والفتنة والتكالب على السلطة وأوضح ولا يزال حجم ما كانت تستهدفُ به البلاد من جرائم ومخططات للتدمير والتخريب وإعادة منظومة الحكم السابقة حيث غياب الحريّة والكرامة وحيث القمع والاستبداد.
بات الاسلام السياسي في تونس أوسع من الدفاع عن طروحات النهضويين الى أن يكون فعلا الحاضنة الممكنة للمشروع الوطني الواسع والأقدر على صيانة المسار الديمقراطي والأكثر فاعليّة ومسؤوليّة في تأمين بناء الدولة التونسيّة الجديدة ، المدنيّة والديمقراطيّة.
  

ليست هناك تعليقات: